مرحباً بكم في صفحة وزارة الخارجية الألمانية
كلمة سعادة السفير رالف طراف، سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى ليبيا، بمناسبة يوم الوحدة الألمانية في طرابلس بتاريخ 9 أكتوبر 2025

Ralph Tarraf TDE 2024 © Deutsche Botschaft Tripolis
أصحاب السعادة، السيدات والسادة، الضيوف الكرام،
نرحب بكم جميعًا ترحيبًا حارًا بمناسبة الاحتفال بيوم الوحدة الألمانية. شكرًا لكم على قدومكم من أماكن مختلفة إلى جنزور، وعلى مشاركتكم لنا هذه الأمسية.
في هذه المناسبة الخاصة، مناسبة يوم الوحدة الألمانية، نُحْيي ذكرى توحيد ألمانيا الذي تحقق قبل 35 عامًا وذلك في الثالث من أكتوبر عام 1990.
جاء توحيد ألمانيا في حقبة مٌلهمة من تاريخ أوروبا والعالم. فبعد عقود من الانقسام وانعدام الثقة في حقبة الحرب الباردة بدأ العالم أخيرًا في التوحد من جديد. كان التعاون الدولي على نطاق واسع هو السمة السائدة في تلك المرحلة. فلقد كنا نسعى لبناء عالم أفضل وأكثر سلامًا للجميع.
تحصلت الدول في أوروبا الشرقية ودول البلطيق على استقلالها. وتوحدت أوروبا من جديد، وتم وضع الأسس لتوسيع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ليشمل 12 عضوًا جديدًا من دول أوروبا الشرقية.
في مجلس الأمن الدولي تم تناول النزاعات طويلة الأمد التي جاءت بسبب الاستقطاب الناتج عن الحرب الباردة. وكان أبرزها النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي. حيث عُقد مؤتمر مدريد في عام 1991، وتم توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993.
تم إنشاء محكمة الجنايات الدولية. وبدا أن مواجهة الأيديولوجيات قد تم تجاوزها نهائيًا. كتب فرانسيس فوكوياما عن „نهاية التاريخ". وبدا أن الديمقراطيات الليبرالية، وسيادة القانون، والأسواق الحرة وكأنها الوجهة النهائية لكافة الطموحات السياسية.
ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ففي 11 سبتمبر 2001 اصطدمت طائرات مدنية بمركز التجارة العالمي والبنتاغون. وفي اليوم التالي استيقظنا على عالم جديد. تبعت ذلك حروب بقيادة الولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق إلى جانب الحرب العالمية على الإرهاب، وتلاشى مفهوم "نهاية التاريخ" لتحل محله الرؤية القاتمة لصامويل هنتنغتون حول "صدام الحضارات".
بعد مرور عقد على أحداث 11 سبتمبر وفي عام 2011 بدأت الشوارع العربية تتحرك في انتفاضة شعبية. أنتم تعرفون القصة. فقد تحوّل "الربيع العربي" في نهاية المطاف إلى "خريف عربي". ولم تتحقق تطلعات الكثير من شعوب المنطقة في التغيير والحياة الأفضل. وفي ليبيا تم الإطاحة بالقذافي عام 2011. ومنذ ذلك الحين، انزلقت ليبيا إلى صراعات مسلحة واضطرابات وظلت البلاد في حالة من الانقسام والهشاشة حتى اليوم.
اليوم نجد أنفسنا في حقبة مختلفة تمامًا. ففي عام 2020 تسببت جائحة كورونا في اضطراب التجارة الدولية وتقسيم العمل الذي يُعد جوهر الاقتصاد العالمي. وقد أدت الحروب في أوكرانيا وغزة إلى تقويض الثقة في نظام دولي عادل ومنصف قائم على احترام القانون الدولي. مجتمعاتنا أصبحت أكثر انقسامًا. وسائل التواصل الاجتماعي المدعومة بالذكاء الاصطناعي تغذي هذا الانقسام وتستغله. وتسببت تدفقات الهجرة في تأجيج سياسات الهوية. كما نشهد تراكمًا غير مسبوق للثروة والمعرفة والسلطة في أيدي قلة قليلة. وتسود مشاعر فقدان السيطرة وفقدان التأثير على نطاق واسع وهي مشاعر لها ما يبررها. يصف جيليانو دا إمبولي عصرنا هذا بأنه "عصر المفترس"، حيث يتولى الطغاة وأباطرة التكنولوجيا قيادة العالم.
لقد شهدت الأربعون سنة الماضية أربع حقب زمنية مميزة امتدت كل واحدة منها لعقد من الزمن ولكل منها سماتها وتحدياتها وفرصها.
انضممت إلى السلك الدبلوماسي الألماني عام 1991 أي بعد عام واحد من توحيد ألمانيا. ومنذ ذلك الحين عملت كدبلوماسي ألماني وأوروبي مركزًا في ذلك على العلاقة بين أوروبا وجيرانها العرب.
ولا زلت أحمل في داخلي حماسة وآمال التسعينيات حين كان الأفق مفتوحًا بلا حدود. ولا تزال آثار الحرب العالمية على الإرهاب محفورة في ذاكرتي. كما أنني أتفهم تطلعات شعوب الربيع العربي وخيبة آمالهم عندما تم الالتفاف على أحلامهم بفعل السياسة.
و بعد أن مررنا بكل هذه التحولات أسأل نفسي اليوم كيف يمكننا إحياء روح التسعينيات التي جسّدها بقوة سقوط جدار برلين، وكيف نعمل معاً من أجل عالما يسوده السلام والتعاون، ونحن في زمنٍ المفترسين وسياسة المقايضات؟
بالنظر إلى ليبيا اليوم، فإن دروس التسعينيات تمنحني الأمل في أن تتمكن البلاد من الخروج من حالتها الهشة الحالية. يمكن تحقيق ذلك بالفعل. ومع ذلك، فإن إعادة توحيد ليبيا وإعادة بناء الفضاء السياسي لن تكون مهمة سهلة. ففي السياق الحالي، تظل الإغراءات قوية للاستمرار في سياسة “التسيير اليومي” أو البحث عن حلول سريعة. وعلى الرغم من أن هذه الأساليب قد توفر بعض الراحة المؤقتة، إلا أنها لن تؤدي إلى تحقيق الاستقرار. ولن تُسهم هذه الحلول في تمكين ليبيا من استعادة قدرتها على اتخاذ القرار السيادي، ولا في تحسين الحوكمة، ولا في ضمان فرص حياة عادلة ومتساوية للشعب الليبي.
لكن هذا بالضبط هو ما ينبغي السعي إليه: أولًا، استعادة قدرة ليبيا على اتخاذ القرار السيادي، وثانيًا، تحسين أساليب الحوكمة، وثالثًا، تعزيز فرص حياة عادلة ومتساوية لجميع أبناء الشعب الليبي.
ولتحقيق ذلك نحتاج إلى عملية سياسية سليمة وقيادة تتحلى بالإرادة والعزيمة. كما أن على الأطراف الفاعلة داخل ليبيا وخارجها أن تتوحد في الاتجاه ذاته وأن تتوافق على رؤية موحدة لمستقبل البلاد.
هذه الرؤية لا يمكن فرضها من الخارج بل يجب أن تبنى من الداخل من خلال عملية سياسية شاملة حقًا.
إن المكان الذي يجمع جهودنا الجماعية لتحسين الوضع السياسي والاقتصادي والأمني وحقوق الإنسان في ليبيا هو الأمم المتحدة. فبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تُعد الجهة الوحيدة في البلاد تقريبًا التي تمتلك القدرة على جمع كافة الأطراف داخل ليبيا وخارجها. وبعد مشاورات واسعة مع الاطراف الفاعلة المعنية من داخل ليبيا وخارجها قدمت البعثة خارطة طريق لعملية سياسية ليبية خالصة وبتيسير من الأمم المتحدة يجري تنفذها حاليًا خطوة بخطوة.
اسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة لأُعرب عن تقديري لفريق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بقيادة السيدة هانا تيته، على الرؤية السياسية التي صاغوها من أجل البلاد، وعلى شجاعة والتزام كوادرهم المخلصة.
أنا أدرك بأن الجميع لا يتفقون على كافة التفاصيل وبعض الترتيبات الزمنية في خارطة الطريق السياسية التي وضعتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومع ذلك فهي في الوقت الراهن الخطة الوحيدة ذات المصداقية التي تُعالج التحديات في ليبيا بشكل شامل. فهي تربط بين جميع الجوانب – السياسة والأمنية والاقتصادية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وقد حَظيت بدعم مجلس الأمن الدولي وبقبول كافٍ من الأطراف الفاعلة الداخلية والخارجية للمضي قدمًا. وهي تستحق منا كل الدعم الممكن.
وفي هذا الاطار، قامت ألمانيا بتنظيم مؤتمر المتابعة الدولي حول ليبيا الرفيع المستوى المنبثق عن مسار برلين، في العشرين من يونيو من هذا العام في برلين، فقد جمع هذا اللقاء الأطراف الدولية المعنية بالملف الليبي بهدف توحيد الرؤى حول الوضع الراهن في ليبيا، ومناقشة الخطوات اللازمة للمضي قدمًا، وتأكيد الدعم الجماعي لجهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا .
كما كانت ليبيا ممثلة على طاولة المؤتمر على مستوى كبار المسؤولين، في خطوة تُعدّ تقدمًا مهمًا نحو إعادة تفعيل انخراط المجتمع الدولي في الشأن الليبي، ضمن إطار شامل جمع أبرز الفاعلين الدوليين، وهو ما كان غائبًا منذ أن خبا زخم مسار برلين في يناير 2022.
بعد اجتماع اللجنة الدولية للمتابعة المعنية بليبيا في برلين انعقدت اجتماعات في طرابلس على مستوى السفراء تهدف إلى إعادة إحياء مجموعات العمل الأربعة العاملة ضمن مسار برلين – السياسية والأمنية والاقتصادية وحقوق الإنسان، ومن المقرر عقد اجتماعات أخرى مماثلة على هذا المنوال.
إن عملنا المشترك قد بدأ للتو.
إن دعمنا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تنفيذ خارطة الطريق من خلال إعادة إحياء مسار برلين كان الجانب الأبرز في عملنا السياسي في السفارة الألمانية بطرابلس خلال العام الماضي.
لكنّ انخراط ألمانيا في ليبيا يتجاوز ذلك بكثير.
فلقد عملنا أنا وفريقي مع شركائنا الليبيين على ملفات عديدة، من بينها قضايا الهجرة، دعم الانتخابات المحلية، بناء القدرات في البلديات، دعم هيئات الرقابة المستقلة، تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية بين بلدينا، استكشاف سبل التعاون في مجال الطاقات المتجددة والمشاريع الرامية إلى تمكين المرأة والشباب إلى جانب مبادرات ثقافية والعديد من المشاريع الأخرى.
أود أغتنم هذه الفرصة بالتوجه بجزيل الشكر إلى جميع الشركاء الليبيين الذين تعاونوا معنا في تنفيذ هذه المشاريع، والذين، مثلنا، يعملون من أجل مستقبل أفضل لليبيا وللشعب الليبي.
أودّ كذلك أن أتوجّه بالشكر لجميع شركائنا وزملائنا في المجتمع الدولي على شراكتهم والتزامهم بقضيتنا المشتركة. ففي هذا المكان، حيث لا يستطيع معظمنا – نحن الدبلوماسيين والمغتربين – العيش مع عائلاتنا، كنتم بالنسبة لي أكثر من مجرد شركاء في العمل.
وأخيرًا وليس آخرًا، أودّ أن أتقدّم بخالص الشكر والتقدير لفريقي الصغير ولكن الرائع في السفارة الألمانية بطرابلس وتونس على التزامهم المتميز، وتفانيهم، وروحهم الجماعية، وإحساسهم العالي بالمسؤولية، والأهم من ذلك حسّهم الفكاهي الذي جعل العمل والحياة في ليبيا تجربة مختلفة تمامًا. شكرًا لكم.